المحتويات
لكل مرحلة زمنية في تاريخ البشرية أحداثها، التي تركت بصماتها أو ندباتها إلى أيامنا هذه، فالندبة -مهما مرت عليها الأعوام- لا تمحى عن صدر دولتها، ولإيطاليا ندبتها الخاصة وهي الفاشية. لنتعرف معاً على الحركة الفاشية – ما هي الفاشية – و مبادئها في هذا المقال.
تعريف الفاشية – ما هي الفاشية
تعتبر الفاشية أيديولوجية وتيارا سياسيا فكريا يمينياً، حيث ظهرت في أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين، وأعطت للسلطة التنفيذية كافة الحقوق وفضلتها على بقية السلطات، كما أنها مجدت مبادئ الدولة إلى حد تقديسها، ويشكل رئيس الدولة فيها النواة الصلبة ومصدر السلطات. يعود أصل كلمة الفاشيّة إلى الكلمة الإيطاليّة (Fascio) والتي تعني الفأس المشدودة بالعصي، والتي اعتبرت رمزاً للحركة الفاشية، حيث أطلقها الزعيم الأول لهذه الحركة بينيتو موسوليني عام 1919.
كيف نشأت الفاشية
في حديثنا عن الحزب الفاشي لابد أن نتكلم عن موسوليني أولاً. ولد بينيتو موسوليني في سنة 1883. وعندما اصبح في سن التاسعة عشر من عمره انتقل إلى سويسرا وبدأ يعمل أعمالاً مختلفةً. كل هذا من أجل أن يبقى على قيد الحياة ويحصل على لقمة العيش وفي سويسرا توفر لديه الوقت لكي يقرأ لأربعة من كبار الفلاسفة، وهم كل من نيتشة وميكافيللي وشوبنهاور وجورج سوريل.
سببت أفكار موسوليني الكثير من المشكلات له في سويسرا، ودفعت الكونتات السويسرية إلى طرده من المقاطعات السويسرية التي أقام فيها. وفي سنة ١٩٠٤ م طرد نهائياً من سويسرا كلها. في سنة 1908 عاد موسوليني إلى إيطاليا، وباشر عمله لدى صحف عدة إلا أن أفكاره الاشتراكية المتطرفة دفعت هؤلاء لطرده.
بعد ذلك أتيحت له فرصة العمل مع أشهر صحيفة إيطالية آنذاك وهي صحيفة (Avanti )، استغل موسوليني شهرة الصحيفة وبدأ بطرح أفكاره الاشتراكية عبرها. عند بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914 ، دفع موسوليني ضريبة حماسه بطرح أفكاره الاشتراكية الداعية لخوض إيطاليا الحرب العالمية الأولى وأن تحقق أحلامها بالتوسع، لكن نتيجة ذلك تم طرده من الجريدة التي كان يعمل بها، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس جريدته الخاصة حيث أطلق عليها اسم ” جريدة الأمة الإيطالية ” وأخذ يدعو فيها إلى أفكاره مقرراً الانتقام من الحزب الاشتراكي، وأخذ يقول: “إن الحياد لا يخدم أهداف الأمة الإيطالية، وإن المحايدين لا يمكنهم تغيير مسار التاريخ، وإن الدم هو وحده المحرك المهم في التاريخ”.
في عام 1921 م أسس موسوليني(الحزب الفاشستي الوطني National Fascist Party)، ووضع لأعضائه زي خاص وهو( القميص الأسود)، وجعل له تحية خاصة وهي رفع اليد اليمني على نمط التحية الرومانية القديمة وكانت الحركة الفاشية تنزع إلي القومية والإنفراد بالحكم ، ويعارض في تعصب شديد المبادئ الحرة وينزع إلي الدكتاتورية ، وطغت دعاية هذا الحزب وبرنامجه الإصلاحي على الأحزاب الأخرى القائمة في البلاد فتقربت الحكومة القائمة وقتئذ من موسوليني وأنصاره.
إن من عوامل نجاح الحركة الفاشية هي الحملات الدعائية الناجحة التي كان ينظمها الفاشست فقد حملوا كل فئة من فئات الشعب الإيطالي على الاعتقاد بأن الحركة الفاشية تعمل من أجل تحقيق مصالحهم ، وهكذا اعتقد أصحاب المصانع بأن الفاشية تعني عودة العمال إلي أعمالهم وتخفيض الأجور وانتهاء الاضطرابات العمالية والوقوف في وجه الأفكار الشيوعية ، بينما صور الفاشست لملاك الأراضي بأن الفاشية تحميهم من الثورات التي قد يقوم بها الفلاحون ، ونظر الوطنيون إلي الفاشية على أنها حركة تعبر عن تطلعاتهم بتأكيدها على النزعة القومية كما حصلت الفاشية على الدعم المالي الكبير من قبل الأوساط الثرية وأيضاً تقاضي الحكومة الإيطالية عن تصرفات الفاشست الدموية للاستفادة منها في مناهضة الشيوعية.
مبادئ الحركة الفاشية
إنّ مبادئ الحكم في النظام الفاشي هي القواعد التي تقوم عليها تلك الأنظمة؛ حيث تعمل السلطة التنفيذية على تطبيقها في جميع القطاعات، ومن أهم مبادئ الحكم الفاشي ما يأتي:
- تعتمد السلطة الفاشيّة النظام الديكتاتوري ليتركز نظام الحكم في يد رئيس الدولة؛ حيث يكون هو زعيم السلطة الفاشية.
- تسيطر الحكومة الفاشيّة على القطاع الصناعي والتجاري، وتعمل على تسخير جميع موارد الدولة لزيادة السلطة والقوة العسكرية.
- يتم فرض نظام القمع بشكل علني، وإسكات الأصوات المعارضة للحكم الفاشي بواسطة تدخل السلطة التنفيذية ومراقبة الآراء ومصادرة الحريات.
- تنشئ السلطة الفاشيّة حالة الاستعداد العسكري في جميع أنحاء البلاد؛ بحيث يكون الشعب قادراً في أي وقت على خوض أي حرب يقررها الحاكم الفاشي.
- تعمل السلطة الفاشيّة دائماً على التقليل من شأن الديمقراطية وحكم الشعب لنفسه.
بعض التحركات التي قامت بها الفاشية
- حرصت الحكومة الإيطالية بزعامة الحركة الفاشية على توطيد العلاقات مع الحكومة البريطانية لتعطيها الصلاحيات الكاملة لمحاولة السيطرة على إثيوبيا كاملةً أو جزءاً منها.
- قامت إيطاليا مع الحركة الفاشية بعقد معاهدة صداقة مع الحكومة الإثيوبية. إلا أنها أرادت مقابل هذه المعاهدة أن تدفع الامبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي للتنازل عن بعض أراضيه لإيطاليا. إلا أن إثيوبيا هيلا سيلاسي رفضت ذلك، الأمر الذي دفع موسوليني لاستعمال القوة لتحقيق أهدافه.
- في أيلول سنة 1870 أصبحت العلاقة بين إيطاليا و البابوية سيئة نتيجة قيام القوات الإيطالية بالسيطرة على روما. ومحصلة لذلك تم التوصل إلى اتفاق بين موسوليني والبابا بيوس الحادي عشر فتم توقيع اتفاقية ” لاتيران ” في 11 شباط 1929 وبموجب هذه الاتفاقية اعترفت البابوية بالدولة الايطالية وروما عاصمةً لها مقابل أن تعترف إيطاليا بدولة الفاتيكان التي تكون جزءا من روما، رغم أنها داخل مدينة روما، على أن تدفع الحكومة الايطالية مبلغ ٤٠ مليون دولار تعويضاً لها عن احتلالها روما في سنة ١٨٧٠.
- في 7/1/1935 تم عقد اتفاق بين إيطاليا وفرنسا، فتم اطلاق العنان من قبل إيطاليا لاحتلال إثيوبيا مقابل أن تبقى إيطاليا وفيةً لبنود معاهدة فرساي، وأن لا تتحالف مع ألمانيا النازية ، وأن تقف بوجه هتلر ومطامعه، ولاسيما تلك المطامع التي كانت تستهدف فرنسا.
- الحرب الأهلية الإسبانية: بدأت هذه الحرب بتمرد قاده فرانكو في ١٨ تموز ١٩٣٦ضد الحكومة الاسبانية واستمرت الحرب بين الطرفين حتى الأول من نيسان ١٩٣٩حينما نجحت قوات فرانكو في دخول العاصمة الإسبانية مدريد. ومن بين أهم الأسباب التي دعته إلى الانتصار في تلك العملية هي تلك المساعدات التي جاءته من إيطاليا، ولاسيما المساعدات المتعلقة بسلاح الجو الإيطالي، إذ كان للمساعدات الجوية الإيطالية دور بارزفي تقديم العون لقوات فرانكو.
- محور روما برلين طوكيو: وهو ميثاق ياباني ألماني ضد الكومنترن في تشرين الثاني ١٩٣٦ انضمت إليه إيطاليا فصار يعرف بالميثاق الثلاثي، والذي سرعان ما تحول إلى ميثاق رباعي بانضمام إسبانيا فرانكو إليه في ٧ نيسان١٩٣٩
نهاية السلطة الفاشية
نزلت القوات المتحالفة بقيادة الجنرال الأميركي دوايت آيزنهاور في جزيرة صقلية في يوم ١٠ تموز ١٩٤٣الأمر الذي أكد بأن الحزب الفاشي وقائده قد فشلا في تحقيق أحلام إيطاليا التوسعية و المحافظة على سلامة الأراضي الاقليمية الإيطالية.
فقرر المجلس الأعلى للحزب الفاشي استقالة موسوليني إلا أن موسوليني تجاهل هذا القرار، الأمر الذي دفع الملكفكتور عمانوئيل الثالث إلى استدعاء موسوليني إلى القصر الملكي مبلغًا إياه قرارعزله من الحكومة ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
وقام الملك بتشكيل حكومة جديدة برئاسة بادوليو وكان تشكيل هذه الحكومة إيذانًا بنهاية الحزب الفاشي، وأعلنت هذه الحكومة عن رغبتها في عقد هدنة مع الحلفاء إلا أن هتلر رفض ذلك وأرسل قواته إلى جنوب إيطاليا وشمالها للحيلولة دون تقدم الحلفاء إلى روما. ثم تشكلت حكومة عميلة للألمان وضع موسوليني على رأسها رغم أنه كان معتقلاً في روما. وقرر هتلر القيام بعملية جريئة لإطلاق سراح موسوليني وأرسل مجموعة من الكوماندوز نجحت في إطلاق سراحه.
وفي ٤ حزيران ١٩٤٤ دخلت القوات المتحالفة، رغم كل شيء، إلى روما. وفي٥ حزيران ١٩٤٤ أعلن الملك فكتور عمانوئيل الثالث عن تنازله لولده أمبرتو الذي أصبح وصياً على العرش عن جميع صلاحياته.
بعد ذلك في 27نيسان عام 1945 نجحت القوات المتحالفة في إسقاط الحكومة الإيطالية العميلة لألمانيا وأُلقي القبض على موسوليني وعشيقته كلاريتا ديتاشي وعلى عدد من أعوانه وأُعدموا جميعاً في يوم ٢٨ نيسان ١٩