جدول المحتويات
يعتبر اشعاع الخلفية الكونية الميكروي دليل العلماء الاول على توسع الكون ،وتطور كبير في علم الكون الفيزيائي الحديث ، اكتشف اشعاع الخلفية الكونية الميكروي بالصدفة عام 1964 على الرغم من هذا الإشعاع قد توقع العلماء وجوده في وقت سابق حوالي 1950
ويعتبر هذا الاكتشاف دليلاً هاما على الكون المبكر الساخن ( نظرية الانفجار العظيم ) ودليلا ضد نظرية الحالة الثابتة المرفوضة حالياً من قبل الغالبية العظمى من علماء الكون
والتعبير العام هو ” الإشعاعات الخلفية” وتعني تلك الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي يمكن التثبت من وجودها في كل مكان من الفضاء ، والتي لا يمكن تميز مصدر معين أو ملموس لها ، وتسمى الإشعاعات الخلفية التي تقع في نطاق الموجودات الميكروية والاشعاعات الخلفية الكونية.
وذلك بسبب أهميتها العظيمة في علم الكون الفيزيائي كما تسمى ” اشعاعات ٣ كالفن ” وذلك بسبب درجة الحرارة الضئيلة أو كثافة الطاقة منها .
عندما نشاهد السماء بالمقراب نرى مسافات واسعة بين النجوم والمجرات ( الخلفية) يغلبها السواد ، وهذا ما نسميه الخلف الكونية ، ولكن عندما يترك المقراب الذي ترصد به الضوء المرئي وتمسك بتلسكوب يستطيع رؤية الموجات الراديوية ، يصور لنا ضوء خافتا يملأ تلك الخلفية ، وهذه الأشعة لا تتغير من مكان لآخر وانما منتشرة بالتساوي في جميع أركان الكون
تفسير ظاهرة اشعاع الخلفية الكونية الميكروي
يفسر نموذج الانفجار العظيم تلك الأشعة ، فعندما كان الكون صغير جدا وقبل تكون النجوم والمجرات كان شديد الحرارة جدا وكان يملأه دخان ساخن جدا موزعا توزيعا متساويا في جميع انحاءه
وكانت مكونات هذا الدخان من بلازما الهيدروجين ،اي بروتونات والكترونات حرة من شدة الحرارة وعظم الطاقة التي تحملها وبدأ الكون يتمدد ويتسع فبدأت بالتالي درجة حرارة البلازما في الانخفاض إلى الحد الذي تستطيع فيه البروتونات الاتحاد مع الالكترونات مكونين ذرات الهيدروجين
وخلال الفترة الزمنية بعد الانفجار العظيم ١٠٠ إلى ٣٠٠ ثانية تكونت بنسب قليلة عن الهيدروجين أنوية عناصر تتلوها في الثقل مثل الديوتيريوم والهيليوم وبدأ الكون أن يكون شفافاً وكانت الفوتونات الموجودة تنتشر في جميع الإرجاء الا أن طاقتها بدأت تضعف
حيث يملأ نفس عدد الفوتونات الحجم المتزايد بسرعة للكون . وهذه الفوتونات هي التي تشكل اليوم اشعاع الخلفية الكونية الميكروي CMBR ، ما نجده منها اليوم يغمر السماء فقط انخفضت درجة حرارته عبر نحو ١٣,٧ مليار من السنين إلى ٢,٧٢٥كلفن.
أصل اشعاع الخلفية الكونية الميكروي
كان اكتشاف توسع الكون أحد أهم اكتشافات القرن العشرين ،ويؤكد هذا التوسع أن الكون كان أصغر وأكثر كثافة وسخونة في الماضي البعيد عندما كان الكون المرئي بنصف حجمه الحالي
فقد كانت كثافة المادة تبلغ ثمانية أضعاف كثافتها الحالية ، وكانت سخونة اشعاع الخلفية الكونية الميكروي تفوق نظيرتها الحالية بمقدار الضعف عندما كان حجم الكون مساويا لجزء من المائة من حجمه الحالي
وكان اشعاع الخلفية الكونية الميكروي اسخن بمائة مرة مما هو عليه الحال الآن ،اي كانت قيمته مساوية (٢٧٣ درجة كلفن) فوق الصفر المطلق ( أو ٣٢درجة فهرنهايت) وهي درجة حرارة تجمد الماء وتحوله إلى جليد فوق سطح الأرض
بالإضافة إلى أن اشعاع الخلفية الكونية الميكروي فقد كان الكون في مراحله المبكرة مليئا بغاز الهيدروجين الساخن الذي يمتلك كثافة تصل إلى ١٠٠٠ ذرة في السنتيمتر المكعب
وعندما كان حجم الكون مكافأ لجزء من مائة مليون من حجمه الحالي كانت درجة حرارته تبلغ حوالي ٢٧٣ مليون درجة فوق الصفر المطلق ، وكانت كثافة المادة فيه مكافئة لكثافة الهواء فوق سطح الأرض ،وكان الهيدروجين مؤينا بالكامل تحت درجات الحرارة المرتفعة هذه ، بمعنى أنه كان مكونا من الكترونيات وبروتينات حرة .
لم تكن هناك ذرات في المراحل المبكرة من عمر الكون وذلك لأنه كان ساخنا بدرجة كبيرة جداً ، ووجد حينها القليل من الالكترونات والنوى المؤلفة من بروتونات ونيوترونات في تلك المرحلة تشتت اشعاع الخلفية الكونية الميكروي بسهولة على الفوتونات
لذلك فقد تحركت تلك الفوتونات في كافة أنحاء الكون المبكر بشكل مشابه لحركة الضوء البصري داخل الضباب الكثيف في الواقع فقد تم قياس ذلك بدقة كبيرة.
حاولت جهود بحثية أخرى النظر إلى جوانب مختلفة لاشعاع الخلفية الكونية الميكروي واحد هذه الجوانب هو تحديد أنواع الاستقطاب فيما يسمى بالنمط E المكتشفة من خلال مقراب قاس درجة التدخل الزاوي القائم في القارة القطبية الجنوبية
انتاريتكا ٢٠٠٢ والنمط B ومن الممكن أن يكون النمط B ناتجا عن التأثير العدسي التثاقلي النمط E الذي رصده مقراب القطب الجنوبي لأول مرة عام ٢٠١٣ بالإضافة للموجات التثاقلية .
وفي عام ٢٠١٤ أعلن مقراب قياس استقطاب اشعاع الخلفية الكونية الميكروي القائم في القارة القطبية الجنوبية أنه اكتشف الموجات التثاقلية من النمط B إلا أن عمليات رصد أخرى أوضحت أن هذه النتائج نشأت عن الغبار الكوني.
في نهاية المطاف برد الكون بشكل سمح بتجمع الالكترونات والبروتونات معا لتشكل الهيدروجين الحيادي وحدث ذلك بعد ٤٠٠ الف سنة من الانفجار العظيم حيث كان حجم الكون يصل إلى ١١٪من حجمه الحالي
في تلك المرحلة تفاعلت فوتونات اشعاع الخلفية الكونية الميكروي بشكل ضعيف جداً مع الهيدروجين الحيادي كما سمح لها بالتحرك على طول خطوط مستقيمة.
كان سلوك فوتونات CMB المتحركة في أرجاء الكون المبكر مشابهاً لانتشار الضوء المرئي داخل الغلاف الجوي للأرض حيث تقوم قطرات الماء الموجودة في سحب لتشتيت الضوء بشكل فعال
في حين أن فوتونات الضوء المرئي تتحرك بشكل حر في الهواء الخالي من السحب ، لذلك يمكننا في يوم ضبابي النظر عبر الهواء نحو السحب لكن لا يمكننا رؤية غير السحب المعتمة بالمثل يمكن لعلماء الكون الذين يدرسون اشعاع الخلفية الكونية الميكروي أن ينظروا في أعماق الكون وصولاً إلى المرحلة التي كانت معتما فيها اي إلى المرحلة التي تلت الانفجار العظيم ب ٣٨٠ الف سنة.
يعرف هذا الجدار الضوئي سطح التشتت الاخير وذلك لأنها كانت المرة الأخيرة التي تشتت فيها فوتونات ال CMB بشكل مباشر على المادة وعندما نضع خرائط لدرجة حرارة ال CMB فإننا نرسم خريطة لسطح التشتت الاخير
كما هو موضح سابقا ،فان اهم ميزات اشعاع الخلفية الكونية الميكروي هو تجانسه ،اذ ليس بمقدور علماء الكون كشف الاهتزازات الموجودة في درجة حرارة ال CMB الا باستخدام أدوات علمية فائقة لحساسية مثل COBE و WMAP وبإمكانهم عبر دراسة تلك الاهتزازات معرفة المزيد عن أصل المجرات والبنى الكونية الهائلة ويستطيعون أيضاً قياس البارامترات الأساسية لنظرية الانفجار العظيم.