المحتويات
إنّ للأفعال التي يقوم بها الإنسان، الإبداعية منها على وجه الخصوص، درجات ومراتب، لكنها تلتقي عند حقيقة أنّ كلّ فعل هو عبارة عن تناغم، إذ يقوم المبدع بترجمة فعله الإبداعي من خلال رموز رياضية تشكّل أبجدية القوانين الفيزيائية.
أما العلامات الموسيقية فهي بمنزلة أبجدية حقيقية للألحان التي يصوغها المؤلّفون الموسيقيون من خلال تدوين النوتات الموسيقية. فهل توجد علاقة تربط بين الفيزياء والموسيقى؟ لنتعرف في مقالنا التالي.
الموسيقى من وجهة نظر الفيزياء
الصوت، أيّ كان مصدره، عبارة عن موجة يتم إنشاؤها عندما يهتز شيء معّين. يتم نقل الاهتزاز من خلال إزاحة الجزيئات في وسط معين.
عندما نسمع شيئاً ما، يتم نقل موجة الصوت من الكائن الاهتزازي لتصطدم بطبلة أذننا، والتي يعالجها دماغنا بعد ذلك على أنها تصور للصوت.
وتعتمد جودة الصوت المسموع على الخصائص الفيزيائية لموجة الصوت، وتتميز هذه الخصائص الفيزيائية على النحو التالي:
- الطول الموجي
الصوت ينتقل على هيئة موجة، ويختلف نوع الموجة حسب وسط انتقال الموجة. بمعنى، أن الصوت ينتقل كموجة طولية مكونة من تضاغطات وتخلخلات في الأوساط السائلة والغازية، بينما ينتقل على هيئة موجة مستعرضة مكونة من قمم وقيعان في الأوساط الصلبة.
ويعرف الطول الموجي بأنه المسافة بين وحدتين موجيتين متماثلتين متتاليتين، أي المسافة الفاصلة بين قمتين متتاليتين، أو قاعين متتالين، أو تضاغطين متتاليين، أو تخلخلين متتاليين.
- التردد
ويعرف تردد الصوت بأنه عدد المرات التي تذهب فيها الموجات ذهاباً وإياباً في الثانية الواحدة.
وبالتالي، فالتردد يساوي خارج قسمة دورة كاملة من الأمواج على وحدة الوقت. وحدة قياس التردد هي هيرتز، وهذا يعني أن 1 هرتز يساوي حركة واحدة ذهاباً وإياباً في ثانية واحدة.
يحدد تردد الصوت درجة الصوت، وهو مدى ارتفاع أو انخفاض الصوت. كلما زاد تردد الصوت، ارتفعت النغمات. علماً بأن الأذن البشرية لديها نطاق محدود من الترددات المسموعة، ويراوح هذا النطاق بين 20 هيرتز و20 ألف هيرتز، وما دون ذلك أو أعلى فهو غير مسموع للأذن البشرية.
- السعة
وتعرف السعة بأنها ذروة الموجة وأقصى مسافة لها قطعها من موضع اتزانها أو سكونها، وكلما ارتفعت السعة، زادت جهارة الصوت.
ويتم قياس السعة من مركز الاتزان إلى أقصى إزاحة علوية في الموجات المستعرضة، وفي الطولية بكثافة المادة في التضاغط والتخلخل، وتزداد سعة الموجة عندما تكون التضاغطات فيها أكثر قرباً، والتخلخلات أكثر تباعداً عن بعضها.
- جرس الصوت أو طابع الصوت
يمكننا إدراك اختلاف الأصوات عن طريق جرس الصوت، والذي يتحدد من خلال النغمات والتوافقيات التي يصدرها الصوت. ويعتمد جرس الصوت على شكل الموجة، وعدد النغمات، والتردد، والكثافة النسبية.
الفيزياء والموسيقى و علاقتهما ببعض
يمكننا القول أن الفيزياء والموسيقى وجهان لعملة واحدة، يكمل بعضهما الآخر. وبطريقةٍ ما، استطاع علماء الفيزياء عبر التجارب والدراسات المكثفة كشف أسرار هذا التناغم. فكيف تُصدر الآلات الموسيقية أصواتاً مختلفة؟
- إنّ الطنين أو الرنين في الفيزياء هو ظاهرة يميل من خلالها النظام الفيزيائي للاهتزاز بأقصى شدة، وذلك عند تعرّض النظام لترددات معينة تسمى ترددات الطنين، التي تحدث عندها اهتزازات عالية الشدة عند أقل قدر من قوى الدفع الترددية
حيث يقوم النظام الفيزيائي بتخزين طاقة الاهتزازات، وعندما يقل امتصاص الاهتزازات (تخامد) فإنّ تردد الرنين يقترب من التردد الطبيعي للنظام الذي هو تردد الاهتزازات الحرة.
تحدث هذه الظاهرة في آلة الناي الموسيقية، وهي حالة أضيق من حالة التناغم لكنها تشكّل الحيّز الأهم فيها؛ وما الموسيقى إلّا حالة من التناغم في صورة معقدة من الأحاسيس والمشاعر التي لا يمكن تفسيرها إلّا بوجود قوانين الفيزياء. - يصدر الإكسيليفون صوته عند اصطدام المطرقة بالشرائح الطويلة والقصيرة المكونة للإكسيليفون، فينقل الاهتزاز إلى باقي أجزائه.
ويكون الصوت أعمق ونغمته أقل في الشرائح الكبيرة، بينما يصبح أعلى تدريجياً مع الاتجاه للشرائح الأصغر، فالشرائح الصغيرة تنتج موجات صوتية ذات تردد أعلى من الشرائح الأكبر - يُصدر الكلارينيت صوتاً عندما ينفخ الشخص عبر قصبة خشبية رقيقة، فيبدأ عمود الهواء في الداخل بالاهتزاز، مما يضخّم الصوت. يؤدي فتح أو غلق الفتحات الموجودة على جانبي الكلارينيت إلى تغيير طول عمود الهواء المهتز. هذا يغير تردد الموجات الصوتية ودرجة الصوت.
- يُصدر الكمان صوته عند اهتزاز الأوتار، فتبدأ الاهتزازات ببقية الكمان والهواء بداخله يهتز أيضاً، مما يضخم الصوت. يؤدي الضغط على الوتر من جهة أخرى إلى تقصير جزء الوتر القابل للاهتزاز، وهذا يزيد من وتيرة الموجات الصوتية ويزيد درجة الصوت.
آلة الثيرمين ناتج دمج الفيزياء بالموسيقى
تم اختراع هذه الآلة من قبل عالم الفيزياء الروسي ليون تيرمين في عام 1919، هذه الآلة الموسيقية الفريدة من نوعها يتم العزف عليها دون لمسها.
في أحد المرات لاحظ ليون أن تردد الموجة اللاسلكية يتغير عند خروجه من الحقل المغناطيسي الذي تسلكه دارة مذبذبة، ويعود ذلك إلى السعة الكهربائية الطبيعية لجسم الإنسان التي تستطيع تشويش هذه الموجة.
ولم يكن ليون فقط أحد علماء الفيزياء المشهورين في روسيا آنذاك، بل يمتلك موسيقية فريدة جعلته يخطط لكيفية استغلال هذه الظاهرة لابتكار آلة موسيقية جديدة
مما تتألف آلة الثيرمين الموسيقية؟
تتألف هذه الآلة من صندوق خشبي يخرج منه هوائيان، وظيفة الهوائي الأفقي التحكم بدرجة الصوت، في حين أن وظيفة الهوائي العمودي التحكم بطبقة الصوت
وتحتوي دارتين واحدة للطبقة وأخرى لدرجة الصوت، تحتوي دارة الطبقة على دارتين مذبذبتين إحداهما ثابتة والأخرى متغيرة، تقوم الدارة الثابتة بإنتاج أمواج ذات تردد ثابت، أما الدارة المتغيرة المرتبطة بالهوائي العمودي فهي قادرو عل إنتاج أمواج ذات ترددات مختلفة.
يتم دمج الأمواج من خلال عملية تدعى Hetrodyning إذ يتم طرح تردد دارة واحدة من الدارة الأخرى ويتم بعدها تضخيم الفرق بين الترددين، وفي النهاية نحصل على نغمة موسيقية يمكن سماعها.
يتم العزف على هذه الآلة باستخدام اليدين المجردتين، فكلما اقتربت اليد من الهوائي العمودي ترتفع طبقة الصوت وكلما اقتربت من الهوائي الأفقي تنخفض درجة الصوت، وعلى ذلك يتطلب عزف لحن دقيق على هذه الآلة موهبة وتمريناً وانتباهاً حاداً على طبقة الصوت.