الزراعة المائية هي طريقة حديثة لزراعة النباتات دون استخدام أي تربة، بل مباشرة في الماء بمكونات معدنية خارج التربة إذ أنها تزرع بمحلولٍ مغذٍّ يوفر العناصر الغذائية المعدنية اللازمة للنمو، وتحصل النباتات على كل تغذيتها من خلال هذا المحلول المغذي الذي يتم توفيره لجذورها ، ولنُبحر في تفاصيل الزراعة المائية من الألف إلى الياء
تتراوح الزراعة المائية بين زراعة مجموعة صغيرة من الأعشاب في المطبخ وصولاً إلى العديد من النباتات في عملية تجارية واسعة النطاق، ويمكن للأشخاص الذين لديهم مساحة خارجية محدودة أو ليس لديهم مساحة خارجية كسكان المدن الذين لا يمكنهم امتلاك أرض زراعية أن يجدونها مفيدة بشكل خاص.
خاصة أن هناك أنواع كثيرة من النباتات التي تنمو جيدًا في الزراعة المائية، ومنها الأعشاب والخس والورقيات والطماطم والفلفل والفراولة، لكن يجب تجنب استخدامها لبعض أنواع من النباتات التي تنمو طويلًا مثل الذرة أو النباتات التي لها جذور عميقة مثل البطاطس.
وقد تم تطوير هذا النوع من الزراعة عن طريق تقنية جديدة أطلق عليها العلماء اسم “أكوابونيك” (Aquaponics)؛ حيث تجمع هذه التقنية ما بين الزراعة المائية وتربية الأسماك في نفس الوقت باستخدام نفس الدورة المائية. وذلك كما ذكرت منصة “تكنولوجي” ( technology) في تقرير لها مؤخرا.
كيف تعمل الزراعة المائية؟
تحتاج النباتات عامة إلى ثلاثة عناصر رئيسية للنمو وهي: العناصر الغذائية الأساسية: الماء وأشعة الشمس والتربة الصالحة
ففي الزراعة التقليدية تلعب التربة دورًا لتأمين الدعم للنبات في انتصابها للأعلى وحماية الجذور وتعمل كخزان للمياه والمغذيات، لكن في نظام الزراعة المائية تُستَبدل التربة بالمحلول المائي الذي يزود الجذور مباشرةً بالمغذيات ويحافظ على تغذية النبات وترطيبه، بينما تحاكي حلول الإضاءة التكميلية ضوء الشمس.
إلى ماذا تحتاج الزراعة المائية من الألف إلى الياء لكي تنجح؟
لا تختلف العناصر الأساسية لأنظمة الزراعة المائية عن عناصر الزراعة التقليدية مهما اختلفت أساليب هذه الأنظمة، وهذه العناصر هي:
المياه العذبة
حيث تحتاج النباتات التي تزرع عن طريق الزراعة المائية إلى مياه مفلترة بدرجة حموضة متوازنة، إذ تميل معظم النباتات إلى الماء الذي يحتوي على درجة حموضة حوالي 6-6.5 ويمكن ضبط حموضة المياه باستخدام المحاليل المتاحة دون الوصفة الطبية الموجودة في الأجهزة أو الحديقة أو متاجر الزراعة المائية.
الأوكسجين
في الزراعة التقليدية يمكن للجذور الحصول على الأوكسجين اللازم للتنفس من فتحات الهواء في التربة، وفي الزراعة المائية يجب ترك مسافة بين قاعدة النبات وخزان المياه، أو تُستَخدم مضخة أوكسجين داخل الوعاء الذي يُزرَع فيه، وهو شبيه بذلك الذي يُوضَع في أحواض السمك لإنتاج الأوكسجين.
دعم الجذر
في الزراعة التقليدية يقوم التراب بدعم الجذور ويحافظ عليها، لذلك في الزراعة المائية يجب تأمين بديل عن التراب لدعم جذور النبات، وتشمل هذه البدائل مواد مثل الفيرميكيولايت والبيرلايت والطحالب وألياف جوز الهند والصوف الصخري، ويجب تجنب المواد التي قد تنضغط مثل الرمل أو التي لا تحتفظ بأي رطوبة مثل الحصى.
العناصر الغذائية
تحتاج النباتات في الزراعة المائية إلى الكثير المعادن مثل المغنيسيوم والفوسفور والكالسيوم والعناصر الغذائية الأخرى للبقاء بصحة جيدة ومنتجة، تمامًا مثل النباتات التي تنمو في الأرض والتي تحتاج إلى تربة صحية وسماد، فعند زراعة النباتات بدون تربة أي بالزراعة المائية يجب تضمين هذا الغذاء النباتي في الماء الذي يغذي النباتات، ويمكن صناعة محلول المغذيات بسهولة عن طريق شراء الخلطات من المتاجر الخاصة.
الضوء
عند زراعة النباتات في الداخل، يجب تأمين الإضاءة الخاصة البديلة عن ضوء الشمس، ولكل نوع من النباتات متطلبات مختلفة لمقدار الضوء الذي تحتاجه ولتثبيت الأضواء يُستَخدم الضوء اليومي المتكامل.
توجد أيضًا عناصر أخرى يجب مراعاتها أثناء زيادة تطور المزارع المائية على سبيل المثال مكملات ثاني أكسيد الكربون
ومن خلال مراقبة هذه المتغيرات الرئيسة وتعديلها يمكن البدء في اكتشاف ما تحتاجه النباتات بدقة لتزدهر وتكرار هذه الظروف لكل نمو في المستقبل.
ما هي المعدات والأدوات اللازمة لتطبيق الزراعة المائية؟
للاستفادة من هذه التقنية فإنّك ستحتاج إلى:
- مثقاب أو مفك براغي (اختياري).
- دلو أو حوض لوضع المياه.
- سماد مائي (جاف أو سائل).
- سلك من القطن أو النايلون للفتائل.
- وسط زراعي (بالإنجليزية: Growing medium).
- صينية لإنبات البذور (بالإنجليزية: Growing tray).
- ضوء النمو (اختياري).
ما هي أفضل طرق الزراعة المائية؟
- طريقة تطبيق الزراعة المائية بنظام الفتيل
يعد نظام الفتيل (بالإنجليزية: Wick System) من أبسط أنظمة الزراعة المائية، حيث لا توجد أجزاء متحركة أو معدات كهربائية، وفيما يأتي توضيح لخطوات تطبيقه:
قم بتعبئة الحوض أو الخزان بالماء، ثم أضِف الأسمدة المائية بناءً على متطلبات تغذية نباتك. قم بعمل ثقوب في صينية الإنبات -إن لم تكن مثقوبة ، ثم قم بتوصيل فتيل أو فتيلتين من خلال الثقوب في أسفل الصينية. بعد ذلك ضع وسط النمو أو الوسط الزراعي حول الشتلة في صينية الإنبات المثقوبة، ستمتص الفتائل الماء من الخزان، وتسحبها إلى وسط النمو في الصينية وتنمو النبتة.
ملاحظة: إذا كانت نباتاتك تحتاج إلى إضاءة عالية لا تستطيع توفيرها فيُمكنك وضع ضوء النمو على بُعد 60 سم من النبتة. - طريقة تطبيق الزراعة المائية بنظام غمر الجذور:
تعد هذه الطريقة من أبسط الأنظمة، حيث يوضع النبات في صينية الإنبات فوق خزان مملوء بمحلول فيه أسمدة ومغذيات، إذ تتدلى الجذور وتكون مغمورة بالكامل في المحلول، ونظرًا لأن الجذور مغمورة باستمرار فإنها ستحتاج إلى تهوية لمنع الاختناق، ويمكن توفير التهوية بمضخة هواء، أو أحجار هوائية (بالإنجليزية: air stones).
ما فوائد الزراعة المائية؟
- القضاء على الجوع:
الزراعة المائية هي تكنولوجيا جديدة يمكن أن تساعد البشرية على محاربة الجوع، وتوفير كميات أكبر من الغذاء؛ حيث يمكننا الآن شراء أجهزة الزراعة المائية لاستخدامها في أي مكان - اختيار الأصناف المزروعة:
نستطيع الآن أن نزرع كميات أكبر بكثير من المحاصيل عن طريق هذه التكنولوجيا المتقدمة في الزراعة دون الحاجة إلى التربة أو الأمطار أو أشعة الشمس وكذلك نستفيد من توفير المساحات المستخدمة للزراعة عن طريق تطبيق الزراعة العامودية ، كما بإمكاننا اختيار الأصناف التي نريد إنتاجها بغض النظر عن دورة المواسم. ومع تقدم التكنولوجيا، يمكن أن تكون الزراعة المائية واحدة من أكثر الطرق كفاءة واستدامة لزراعة الفواكه والخضروات في المستقبل. - تحدي الظروف المناخية:
تُعدُّ الزراعة المائية (أي الاستغناء عن التربة) اكتشافًا ثوريًا هاما فهي تسمح للمزارعين بإنتاج الغذاء في أي مكان في العالم وفي أي وقت من السنة وإنتاج محاصيل أعلى بموارد أقل. في حين تشهد مواسم ومناطق النمو تغيرًا كبيرًا في المناخ، أي عندما تقوم بالزراعة المائية لا يتعين عليك التوقف مؤقتًا حسب الموسم، أو المخاطرة بخسارة المحاصيل بسبب سوء الأحوال الجوية.
ففي الوقت الحالي ومع تغير درجات الحرارة وتغير ظروف النمو معها وحتى في الظروف العادية هناك الكثير من الأماكن التي لا تكون فيها الأرض ملائمة للزراعة مثل الصحاري، فيتم اللجوء لشحن معظم الخضروات إليها من مناطق بعيدة وتفقد قيمتها الغذائية وجودتها على طول الطريق.، أما في المستقبل القريب ومع تطور الزراعة المائية لم يعد هناك حاجة لشراء الأراضي الزراعية باهظة الثمن، أو استهلاك كميات كبيرة من المياه كما هو الحال في الزراعة المروية، أو انتظار هطول الأمطار كما هو الحال لدى أغلب المزارعين في العالم الذين يعتمدون على مياه الأمطار لإنتاج محاصيلهم، أو السعي للشحن والاستيراد لأن اكتشاف تقنية الزراعة المائية قدم حلا جيدا لكل هذه المشاكل. - عدم التقيد بالمكان:
عند استخدام الزراعة المائية يمكن إنشاء أنظمة غذائية محلية، وقد تم إنشاء مزارع الحاويات الخاصة في المجتمعات والمناطق التي لا يمكن الزراعة بتربتها، ومن الممكن أيضًا وضع مزرعة مائية خلف المطاعم التي تريد منتجات طازجة - السرعة في إنتاج المحاصيل:
ونظرًا لأن الجذور بالزراعة المائية تغمرها جميع العناصر الغذائية التي تحتاجها فهي تنمو بشكل أسرع من النباتات التي تزرع بالتربة، لأن النباتات المزروعة بالتربة تقضي وقتًا أطول في النمو ووقتًا وطاقة أكثر لتبحث جذورها عن الغذاء في التربة، وتختلف معدلات النمو بناءً على نوع النظام وجودة الرعاية لكن بشكل عام فالنباتات المائية يمكن أن تنضج بنسبة تصل إلى 25% أسرع من تلك النباتات المزروعة في التربة. - توفير المياه:
أيضًا، تحتاج أنظمة الزراعة المائية مياهًا أقل من الأنظمة التقليدية القائمة على الزراعة في التربة، حيث يمكن توفير ما يصل إلى 98% من المياه أقل من الأنظمة التقليدية، وذلك لأن الزراعة المائية تكون داخل حاويات مغلقة فهي لا تخضع لنفس معدلات التبخر، بالإضافة إلى ذلك يمكن تصفية المياه المستخدمة في أنظمة الزراعة المائية وإضافة مغذيات جديدة لها وإعادتها إلى النباتات مرة أخرى بحيث يتم إعادة تدوير المياه باستمرار بدلاً من إهدارها. - عدم الحاجة للمبيدات الحشرية:
لأن النباتات المائية الداخلية لا تحتاج أي موارد أخرى كالمبيدات والمواد الكيميائية التي قد تكون ضارة بالبشر، حيث أن المحاصيل المائية محمية من العديد من الآفات والأمراض النباتية الموجودة في الهواء الطلق في المزارع القائمة على التربة
هل تؤثر الزراعة المائية على البيئة؟
إذا نظرنا إلى الزراعة المائية فقط من وجهة نظر بيئية، يمكننا أن نرى أن تأثير هذه الطريقة على البيئة ليس واضحا تماما، فمن ناحية أولى فإن هذه الطريقة في الزراعة تستخدم كميات أقل من المياه، ولا تسبب تآكل التربة أو استهلاكها، كما تقلل هذه التقنية من استخدام الوقود الأحفوري بسبب عدم استخدام آلات زراعية في الحراثة والبذار والنقل، ونادرا ما يتم استخدام المبيدات الحشرية لمكافحة الأعشاب الضارة، وهذه كلها أمور تؤثر بشكل إيجابي على البيئة وصحة الإنسان.
ومن ناحية أخرى، يتم استخدام الكهرباء للإنارة في الزراعة المائية، وتوليد هذه الطاقة له آثار ضارة على البيئة كما هو معروف، وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالتلوث بسبب التخلص من نفايات المغذيات السائلة في البيئة المحيطة بهذه المزارع، وهو ما قد يؤثر سلبا على مياه الشرب. ومع ذلك، من الممكن السيطرة على هذه الآثار الضارة من خلال إعادة استخدام محلول النفايات المائية الغني بالمغذيات لزراعة النباتات في البيوت البلاستيكية، وهي إحدى الطرق الزراعية الشائعة بسبب مردودها المادي المرتفع.
ماذا عن الدول المهتمة بهذا النوع من الزراعة؟
أوروبا الرائدة والمستقبل في آسيا وفي العودة إلى مؤتمر التكنولوجيا الخضراء، فقد قال عدنان تونو فيتش -مدير الأبحاث والتطوير في مؤسسة “هافيكون” ( Havecon)- إن أوروبا هي الرائدة في هذا المجال حاليا، ولكنه أضاف أن السوق الأميركية واعدة جدا، وكذلك الحال في دول شرق آسيا، بل إنه توقع أن تصبح البلدان الآسيوية مثل الصين وسنغافورة هي سوق النمو التالي في استخدام تقنيات الزراعة المائية في الإنتاج الغذائي لكفاية متطلبات شعوبها المتزايدة للطعام.